أيها الناس اتقوا الله تعالى واذكروه على ما أراكم من آياته الكونية الدالة على وحدانيته وعلى كمال ربوبيته وقدرته فإن في كل شيء من مخلوقاته آيات تدل آيات تدل على أنه إله واحد ورب عظيم ماجد كامل العلم والقدرة والرحمة والحكمة والعظمة والسلطان فمن آياته خلق السماوات والأرض والنظر إلى السماء بحسنه وكمالها وارتفاعها وقوتها علم بذلك تمام قدرة الله وحكمته (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا(27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا(28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) في هذه السماء وفي جوها من آيات الله ما يبهر العقول (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) فهذه الشمس العظيمة الكبيرة الحجم الشديدة الحر جعلها الله تعالى سراجا وهاجا تصل إلى الأرض حرارتها مع هذا البعد الكبير لتنبت الزروع والثمار وتدفئ الأجواء والبحار تسير بانتظام بديع وسير سريع لو نزل مقدار شعرة أو ارتفعت لإختل نظام الأرض وفسد (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) وهذا القمر البدر المنير آية الليل جعله الله مقدرا بمنازل لنعلم بذلك عدد السنين والحساب وله آثار على البحار والأشجار باختلاف هذه المنازل (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ومن نظر إلى الأرض وما فيها من آيات الله علم بذلك تمام قدرته تعالى وحكمته مهدها الله لخلقه وسلك لهم فيها سبلا وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها جعلها الله تعالى ذلولا لعباده يبكون في مناكبها ويأكلون من رزقه يحرثون ويزرعون ويصلون إلى المياه في جوفها فيسقون ويشربون جعلها الله تعالى قرارا للخلق لا تميل بهم ولا تضطرب ولا تتزلزل ولا تتصدع إلا بإذن الله (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) في الأرض قطع متجاورات مختلفة في ذاتها وصفاتها وفي منافعها هذه رمال وإلى جانبها جبال هذه معادن من الذهب وهذه معادن من الفضة وهذه معادن من الحديد وهذه معادن من الرصاص وفي الأرض جنات من تحيل وأعناب صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد وعلى أرض واحدة ومع ذلك فبعضه مفضل على بعض في الأكل ومن آيات الله عز وجل خلق السماوات والأرض وما دب فيهما من دابة ففي السماوات ملائكة لا يحصيهم إلا الله ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد يطوف كل يوم بالبيت المعمور في السماء سبعون ألف ملك لا يعودون إليه مرة أخرى إلى يوم القيامة وفي الأرض من أجناس الدواب وأنواعها ما لا تحصى أجناسه فضلا عن أنواعه وأفراده هذه الدواب في الأرض مختلفة في أجناسها وأشكالها وأحوالها فمنها النافع الذي يعرف به الإنسان كمال نعمة الله عليه ومنها الضار الذي يعرف به الإنسان قدر نفسه وضعفه أمام قدرة الله عز وجل فهذه البعوضة الصغيرة الحقيرة هذه البعوضة تسلط على الإنسان فتقلق راحته وتقض مضجعه وتطرد نومه وهي من أحقر المخلوقات يذكر أن ملكا جبارا كان يتحدث مستحقرا فيقول ما الفائدة من خلق الذباب فقال له أحد الحاضرين إن الله خلقه ليرغم به أنوف الجبابرة يعني أن الذباب يقع على أنف الجبار المتكبر الطاغية وأرجل الذباب ملوثة بالانتان والقاذورات ليرغم أنفه وهذه الحكمة التي ذكرها هذا القائل ذكرها لمناسبتها لحال هذا الملك الجبار الذي يستهتر ويستهزأ بخلق الله عز وجل هذه الدواب المنتشرة في الأرض المنتشرة في الأرض وبحاره وقفارها ومدنها وقراها كلها تسبح بحمد الله وتسجد له (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) كل هذه الدواب المنتشرة كلها هذه الدواب المنتشرة خلقت بأمر الله واهتدت برحمة الله وعاشت برزق الله أعطى الله تعالى كل شيء خلقه ثم هدى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن سليما ابن داود أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خرج ذات يوم يستسقي وكان سليمان يعرف منطق النمل فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء تقول اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غناً عن سقياك فقال سليما ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم الله أكبر هذه النملة عرفت خالقها وأنه فوق السماء وأنها مفتقرة إليه جل وعلا وأنه ليس بها غنا عن سقياه التي ينبت بها العشب وتأكل منه هذه النمل ومن آيات الله عز وجل الليل والنهار في تعاقبهما على العباد يطول هذا تارة ويقصر أخرى ويتساويان جعل الله الليل سكنا يسكن في العباد فينامون ويستريحون وجعل النهار معاشا للناس يبتغون فيه من فضل الله ويكسبون (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ(71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الكون كله من آيات الله كله من آيات الله جملة وتفصيلا هو الذي خلقه وهو المدبر له لم يخلق الكون نفسه ولم يخلقه أحد غير الله يقول الله تعالى مبرهنا على ذلك (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ(35)أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) فتدبروا أيها المسلمون آيات ربكم لتصلوا بها إلى اليقين واعتبروا بما فيها من الرحمة والعظمة لتصلوا إلى محبة الله وتعظيمة وانظروا إلى ما فيها من الانتظام والانسجام لتعرفوا بها حكمة رب العالمين
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أنه لا يكفي أحدكم في توحيده ودينه أن يقر بأن الله هو خالق الكون ومليكه ومدبره لا يكفي هذا أبدا في توحيد الإنسان لأن هذا قد أقر به المشركون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فلم يدخلهم هذا الإقرار في الإسلام ولم يمنعهم من استحلال المسلمين لرقابهم ونسائهم وأموالهم وذريتهم لئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) هم يقرون بهذا كله ولكنهم مع ذلك ليسوا مسلمين لأنهم لم يقروا بتوحيد العبادة وهو أن يتعبدوا لله وحده لا لغيره ولهذا اغتر كثير من الناس حيث ظنوا أن التوحيد هو توحيد الربوبية فقط ولكن التوحيد كما دل عليه الكتاب والسنة وكما قرره أهل العلم ثلاثة أقسام توحيد الربوبية وتوحيد العبادة وتوحيد الأسماء والصفات فمن لم يوحد الله في جميع هذه الأشياء فإنه ليس بموحد وأصر بعض الناس أيضا بالأحاديث المطلقة مثل حديث مالك ابن عتبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )) فقالوا نحن نقول لا إله إلا الله نبتغي بذلك وجه الله وإذا لا حرج أن نزني ونسرق ونقتل وندع الصلاة والزكاة والصيام يقولون لا حرج علينا أي أن هذه الأشياء لا تمنعنا لا تمنعنا من دخول الجنة لأننا نشهد أن لا إله إلا الله ولكنهم لم يتفطنوا لكلمة في الحديث وهي قوله صلى الله عليه وسلم (( من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله )) لم يقل من قال لا إله إلا الله ويسكت بل قال يبتغي بذلك وجه أي يطلب بذلك وجه الله والطالب للشيء لابد أن يسلك الطرق الموصلة إليه لا يكفي مجرد النية ولا القول المجرد أيضا وعلى هذا فما ورد في الكتاب والسنة من تفسير الإنسان بعض الأمور فإنه يكفر به ولو قال لا إله إلا الله لأننا نعلم أنه ما أتى بهذه المكفرات إلا وهو لا يبتغي بلا إله إلا الله وجه الله لأن من ابتغى بها وجه الله وعلم أن الله قد كفر من فعل كذا أو ترك كذا فإنه لا يمكن أن يرتكب ما كفره الله به وبهذا يسد الطريق على من يقولون نحن نقول لا إله إلا الله ولا نصلي وقد حرم الله علينا النار نقول لهم فهمتم خطأ وركبتم شططا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد المطلق من قوله بقوله يبتغي به وجه الله وعلى فرض أن لا يكون في هذا الحديث هذا القيد فإن نصوص الكتاب والسنة يفسر بعضها بعضا ويخصص بعضها بعضا ويقيد بعضها بعضا فليس في شريعة الله من تناقض ولا من خلقه من تفاوت فاتقوا الله عباد الله وقولوا لا إله إلا الله تفلحوا وابتغوا بذلك وجه الله فأقيموا عبادة الله وحده لا شريك له وجه الله فأقيموا عبادة الله وحده لا شريك له ولا تكونوا ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة افهموا نصوص كتاب الله وسنة رسوله افهموها على حقيقتها فإن حال بينكم وبين فهمها ذنوبكم وأهوائكم فاسألوا أهل العلم الذين هم أعلم بها منكم فإن لكل مرض طبيبا وإن شفاء العي السؤال وشفاء الجهل العلم.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله